قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} {ما} استفهام: ومعناها: الإنكار. قال الكسائي: لا هاهنا زائدة. والمعنى: ما منعك أن تسجد؟ وقال الزجاج: موضع ما رفع. والمعنى: أي شيء منعك من السجود؟ ولا زائدة مؤكدة؛ ومثله: {لئلا يعلم أهل الكتاب} [الحديد: 29] قال ابن قتيبة: وقد تزاد لا في الكلام. والمعنى: طرحُها لإباءٍ في الكلام، أو جحد، كهذه الآية. وإنما زاد لا لأنه لم يسجد. ومثله: {أنها إذا جاءت لا يؤمنون} [الأنعام: 109] على قراءة من فتح أنها، فزاد لا لأنهم لم يؤمنوا؛ ومثله: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] وقال الفراء: لا هاهنا جحد محض، وليست بزائدة، والمنع راجع إلى تأويل القول، والتأويل: من قال لك لا تسجد؛ فأحل المنع محل القول، ودخلت بعده أن ليدل على تأويل القول الذي لم يتصرح لفظه. وقال ابن جرير: في الكلام محذوف، تقديره: ما منعك من السجود، فأحوجك أن لا تسجد؟ قال الزجاج: وسؤال الله تعالى لإبليس {ما منعك} توبيخ له، وليُظهر أنه معاند، ولذلك لم يتب، وأتى بشيء في معنى الجواب، ولفظه غير الجواب، لأن قوله: {أنا خير منه} إنما هو جواب، أيكما خير؟ ولكن المعنى: منعني من السجود فضلي عليه. ومثله قولك للرجل: كيف كنت؟ فيقول: أنا صالح؛ وإنما الجواب: كنت صالحا، فيجيب بما يُحتاج إليه وزيادة. قال العلماء: وقع الخطأ من إبليس حين قاس مع وجود النص، وخفي عليه فضل الطين على النار؛ وفضله من وجوه.أحدها: أن من طبع النار الطيش والالتهاب والعجلة، ومن طبع الطين الهدوء والرزانة.والثاني: أن الطين سبب الإِنبات والإِيجاد، والنار سبب الإعدام والإهلاك.والثالث: أن الطين سبب جمع الأشياء، والنار سبب تفريقها.